ما يعرف بالوغما آخر الحركات السينمائية جدلا !
إذا كنا تحدثنا سابقا عن مجموعة من الحركات السينمائية والتوجهات التي أثرت حتى هذا اليوم في طبيعة الإنتاج السينمائي فنيا منذ العشرينات مع التعبيرية الألمانية مرورا بالواقعية الإيطالية وحتى نهاية الموجة الفرنسية فإننا يمكننا مواصلة الحديث عن هذه الحركات التي اشتهرت حتى لو لم تملك التأثير الكبير كما هي الحركات السابقة وأعني هنا حركة ” الدوغما ” التي ظهرت منتصف التسعينات وقدمت مجموعة من الأفلام الأخاذة لكنها بطبيعة الحال وصيرورة الإنتاج السينمائي ومتطلبات الجمهور لايمكن أن تستمر أو تملك التأثير الكافي خاصة إذا مالاحظنا كونها حركة متأخرة نسبيا وحتى مؤسسيها لم يلتزموا تماما تجاهها وإن كانت آثارها مازالت باقية على مجمل أفلامهم حتى هذا اليوم .
بداية فإن مصطلح ” الدوغما ” كما نعرف هو مصطلح فكري أخلاقوي يشير إلى الجمود الاعتقادي والوثوقية الشديدة تجاه رأي أو قرار ولايقبل التساؤل والنقد والنقاش وإعادة النظر . وربما من هنا جاء تسمية هذه الحركة التي ظهرت عام 1995 من السينما الدنماركية عبر أبرز مخرجيها الدنماركيين مثل مؤسسها المخرج الكبير المثير للجدل دوما لارس فون ترير وصديقه توماس فينتربرج ثم فيما بعد انضم اليهم كريستيان ليفرينج وسورن كراج جاكوبسن .
وحينها كانت الحركة قد أثارت الكثير من الجدل واللغط مابين الإعجاب والانزعاج لكنها لم تكن لتمر دون ملاحظة واهتمام العالم السينمائي حينها حينما قدم هؤلاء المخرجون أفلامهم التي تعبر عن هذا الاتجاه الجديد والذي يمكننا أن نفهم الكثير عنه عبر معرفتنا بالقواعد العشرة التي وضعوها وهي :
يجب أن يتم التصوير في الموقع الأصلي للحدث دون إضافة أي ديكورات أو محسنات للموقع
لايجب أن يتم الفصل بين الصوت والصورة أثناء التصوير حيث يسجل الصوت بشكل مباشر بما في ذلك الموسيقى التي لاتضاف إن لم تكن معزوفة إثناء التصوير
يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد
يجب أن يكون الفيلم ملونا
تمنع جميع المؤثرات البصرية والمرشحات الضوئية
يمنع اصطناع أي حدث مثل القتل واستخدام الأسلحة
لايمكن الإيهام بالزمان أو المكان فكل مايحدث هو آنيا وفي نفس المكان المصور فيه
لاتقبل أفلام التصنيف أو النوع أو مايسمى Genre
مقاس الفيلم يجب أن يكون المقاس الأكاديمي 35 ملم
لافضل لاسم المخرج ومن الأفضل عدم وضعه على الفيلم
وبقدر ماتبدو هذه القواعد صعبة للوهلة الأولى إلا أن مؤسس الدوغما لارس فون ترير يقول ” إن فكرة وضع قواعد أو حدود لنفسك عندما تفكر فيها تجدها شيئا تفعله في معظم الوقت ولكن بالتأكيد هو أكثر إثارة عندما تفعله على الملأ بشكل عام وتنشره ”
فيما يمكننا أن نشير إلى أن المخرجين الذين وضعوا هذه القواعد جاءت كما يقولون إجابة لسؤال : ما أكثر الأشياء التي نكرهها في السينما اليوم والتي نقوم بها حينما نقدم على صناعة فيلم ما .!!
وبالرغم من الالتزام الكبير تجاه هذه القواعد إلا أنه أحيانا مايحدث خرق معين ولو بجزء خفيف كما اعترف بذلك المخرج الكبير توماس فينتربرج في أحد اشهر أفلام هذه الحركة وأوائلها وهو الفيلم الرائع عام 1998 The Celebration ويحكي الفيلم عن اجتماع عائلي احتفالا بميلاد الأب حيث تجري الأمور بشكل غير جيد حينما تنكشف بعض الاسرار العائلية . وكان الفيلم حينها قد رشح في الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي فيما حصل في مهرجان كان على جائزة لجنة التحكيم . وهذا يقودنا أيضا لذكر أحد أبرز أفلام الدوغما منذ بدايتها وهو فيلم مؤسسها لارس فون ترير في نفس العام تدليلا على هذه الحركة وهو فيلم The Idiots الذي شارك في مهرجان كان أيضا لكن الفيلم الأبرز والأكثر نجاحا لمؤسس الحركة ترير وتعبيرا عنها كان قبلها بسنتين عام 1996 بمجرد أن تم الإعلان عن هذه الحركة وهو فيلم Breaking the Waves الفائز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان والمرشح لأفضل فيلم دراما في الغولدن غلوب وأفضل ممثلة بدور رئيسي في الأوسكار لإيميلي واتسون وهي تؤدي شخصية زوجة غير مستقرة عقليا تشعر بالذنب تجاه مصاب زوجها بالشلل ويدفعها هذا للموافقة على ارتكاب أفعال غريبة .
وبالطبع فهناك أفلام أخرى قدمها مخرجون كانوا قد التزموا بقواعد الدوغما .وبغض النظر عن توقف هذه الحركة وتراجع حتى مخرجيها عن تقديم أفلام وفق قواعدها الحادة والشديدة هذه إلا أن ماتشير إليه حركة الدوغما هو تحريض التجربة والتنويع في التعبير الفني وكسر القوالب والتحديات المعهودة وإظهار مايمكن أن يفعله المخرج للسينما .
نشر في مجلة ” زهرة الخليج “