قانون المسطرة الجنائية عبد الواحد العلمي pdf
قانون المسطرة الجنائية عبد الواحد العلمي الجزء الأول pdf
مدخل عام لقانون المسطرة الجنائية
1 ـ التعريف بقانون المسطرة الجنائية :
صار شراح القوانين الإجرائية على تعريفه(1) من خلال موضوعه بأنه ذلك «الفرع من القانون الذي تختص قواعده بتنظيم عملية رد الفعل الإجتماعي ضد الجريمة، فيشمل ترتيبا على ذلك «القواعد»(2) المتعلقة بالبحث في الجرائم والتحقيق فيها ومتابعة مرتكبيها ومحاكمتهم وتنظيم طرق الطعن في الأحكام وكل ما يتعلق بتنفيذ هذه الأخيرة».
هذا ويستغرب الأستاذ الفقيه أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح(3)، إنفراد القانون المغربي (عن القوانين العربية طبعا) بتسمية هذا الضرب من القوانين بـ«قانون المسطرة الجنائية»، ملاحظا بأن كلمة المسطرة لا تدل على موضوع هذا القانون المرتبط – مبدئيا – بتنظيم الخصومة الجنائية والتي تبتدئ منذ نشوء حق المجتمع في عقاب مرتكب الجريمة لحين صدور حـكـم عـلـيـه وتـنـفـيـذ هذا الحكم، ليرجع الإصطلاح بقانون «المسطرة الجنائية» إلى اعتبار المشرع له ـ ربما ـ قانونا شكليا – مادام مكتوبا كله، والكتابة شكل من الأشكال كما هو معلوم، لكنه يعود ليستبعد هذا الاحتمال عندما يلاحظ بأن كل القوانين الآن تصدر مكتوبة حيث لا ينفرد أمر تنظيم الخصومة الجنائية وحده دون غيره بالكتابة !
الإشارة الطريفة التي انتبه لها الفقيه الفاضل تشهل له بدقة ملاحظته التي تجعله متفردا عن غيره من شراح المسطرة الجنائية بالكلام في هذه الخصوصية، إذ بالفعل لم تستعمل التشريع على العربية – لحد علمي – كلمة أو مصطلح «مسطرة» – مع العلم بأنها كلها اغترفت قواعد هذا القانون من التشريع الفرنسي حيث يسمى هناك بـ : (Code de procédure pénale).
فترجمت بعض التشريعات الجنائية العربية كلمة (procédure) بـ«الإجراء» وجمعتها صيغة لتوافق مادة (أو موضوع) هـذا الـقـانـون المتـكـون مـن جـمـلـة (مجمـوعـة مـن الإجراءات فسـمـتـهـا «قانون الإجراءات الجنائية» كما هو عليه الحال في القانون المصري(4) في حين عبر عنه المشرع المغربي في النص العربي(5) لظهير 10 يبراير 1959 بـ«قانون المسطرة الجنائية»(6) كمرادف للجملة الفرنسية «Code de procédure pénale» التي تضمنها النص الفرنسي لذات الظهير، ليكرس بذلك لزوم أو وجوب اتباع ما أتى به المشرع من أحكام في هذه المدونة الإجرائية البالغة الأهمية، على اعتبار أن ما هو «مسطر» يكون لغة أبلغ في الدلالة على وجوب الإتباع ـ بل والإنقياد ـ وعلى سبيل الحتم من التعبير عنه بـ «الأصل» أو «الإجراء».
2 ـ القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية :
القسمان العام والخاص من القانون الجنائي يشكلان الشق الموضوعي (أو الجوهري أو العقابي) من هذا القانون بمفهومه الواسع ـ كما أشرنا لذلك في المبادئ العامة للقانون الجنائي – ومعلوم أن أولهما يهتم بالأحكام العامة(8) المتعلقة بكل من الجريمة والمحرم والعقوبة والتدبير الوقائي والتي تطبق مبدئيا على كافة الجرائم، أما ثانيهما فيهتم بالجانب التطبيقي للمبدأ الشهير بـ«لا جريمة ولا جزاء إلا بنص سابق» حيث يتولى فيه ـ أي في القسم الخاص ـ المشرع الجنائي تحديد ـ وعلى وجه الحصر – التصرفات التي يعدها جرائم واحدا واحدا حتى يتيسر للمخاطب بأحكام القانون الجنائي ممارسة حياته في طمأنينة تامة بمجرد ما يتجنب فقط المحظورات من أفعال أو تروك التي يكون المشرع قد اختطها مسبقا في نص من النصوص مانعا بذلك إتيانها من أي كان.
أما قانون المسطرة الجنائية المعروف عند الشراح بالقسم الشكلي من القانون الجنائي فهو يتعرض للقواعد التي ينبغي مراعاتها خصوصا من قبل السلطات العامة المكلفة بالعدالة الجنائية، وهي في سبيل توقيع رد الفعل الاجتماعي ضد الخارق للنصوص الجنائية الموضوعية، فتشمل، من جملة ما تشمل ـ كما أسلفنا ـ القواعد المنظمة للمتابعة عن الجريمة والتحقيق فيها ومسطرة محاكمة مرتكبها، ولكيفية تنفيذ أخيرا ـ ما صدر به الحكم من قبل المحكمة الذي هو ثمرة الخصومة الجنائية.
3 ـ أهمية قانون المسطرة الجنائية :
تتبين هذه الأهمية البالغة من خلال إقامته لتوازن حقيقي وفعال بين حق كل من المجتمع في معاقبة المذنبين من أفراده الذين خرقوا القواعد الجنائية فارتكبوا بذلك ذنبا يستحقون عنه العقاب، وحق الفرد في ضمان حريته التي لا ينبغي النيل منها إلا بمحاكمة عادلة تتوافر فيها كل الضمانات الكافية لإثبات زلته إن هو أذنب وإظهار براءته إن هو كان سيء الطالع لم يسق لساحة القضاء إلا خطأ مقصودا كان هذا الأخير أم غير مقصود.
لذلك وفي سبيل تحقيق مقاربة هذا التوازن ـ المثل ـ وجب من جهة أن تكون نصوص قانون المسطرة الجنائية بما تتضمنه من إجراءات واضحة الوضوح كله. و في آمادها (أي آماد اتخاذ الإجراءات) وخصوصا المقيدة للحرية منها، معتدلة بلا إفراط ولا تفريط.
حتى لا يتأذى الشرفاء الأبرياء(10) في حقهم من التمتع بالحرية الواجب حفظه لهم، أذي لا سبيل إلى إصلاحه. و ذلك بما يتخلف من ثغرات في نظامي الحراسة النظرية أو الإعتقال الإحتياطي يؤول معه إعمالهما إلى توقيع عقوبات فعلية سالبة للحرية تحت ستار تأويل متشدد لشروطهما أو تجديد متعسف لمددهما ولا يقصد من كل ذلك سوى النيل من المشبوه فيه أو المتهم ـ وهو البريء بحسب الأصل كما يقال .
حتى إذا هي مضت آجال طويلة على سلب حريته (عن طريق الحراسة النظرية أو الاعتقال الإحتياطي بأنواعه) صدعت الحقيقة بحكم من القضاء يعلن فيه براءة هذا المسلوب حريته(11). والذي لم يفلح لا مبدأ الأصل البراءة ولا حتى التكريس التشريعي لهذا الأصل في نص من النصوص الإجرائية(12) في تجنيبه ويلات فرض تعايشه مع المجرمين والأشقياء.
4- علاقة قانون المسطرة الجنائية بقانون المسطرة المدنية :
يوصف كل من المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية بأنهما قانونان شكليان يتوخى بكل واحد منهما تطبيق قانون موضوعي معين، فالأول يشكل الأداة الضرورية لتطبيق القواعد الزجرية النافذة، وقواعده تمس عن قرب النظام العام ومن ثم لا يجوز – مبدئيا ـ استبعادها من حقل التطبيق على أطراف الدعوى –
بإعمال إرادتهم إزاءها لأنها وضعت لتنظيم الخصومة الجنائية الدائرة بين المجتمع الممثل بالنيابة العامة، والمتهم المتابع بخرقه لإحدى القواعد العقابية، بحيث لا يملك لا المضرور من الجريمة ولا النيابة العامة ولا المتهم – إلا فيما نذر ـ أي حق في التصرف في الدعوى العمومية بمنع تحريكها ابتداء أو بوضع حد لها بعد ذلك بإرادته عن غير الطريق الذي يسمح به المشرع نفسه في النصوص الإجرائية.
أما الثاني أي قانون المسطرة المدنية فهو الوسيلة لتطبيق قواعد القانون المدني بمفهومه الواسع(16) كـقـانـون الإلتزامات والعقود، ومدونة الأسرة، والقانون التجاري، والقانون الإداري أو العقاري وهكذا..، والمعلوم المشهور هو أن أغلب قواعد هذا القانون الشكلي غير متعلق بالنظام العام مادام المبدأ الثابت المعمول به في نطاق القانون الخاص(17) هو أن لكل فرد يتنازع مع آخر في حق من الحقوق التوصل معه وبطرق حبية ـ عن طريق التراضي – إلى الحل النهائي المتولد عن معاملة من المعاملات أو وضعية ناجمة عن زواج أو إرث إلى غير ذلك من الوقائع التي تترتب عنها الحقوق، وكل ذلك دون اللجوء لقواعد المسطرة المدنية التي لا داعي لإعمالها إلا إذا قرر صاحب الحق اقتضاءه قضاء.
إقرأ أيضا: